الـرّبِّــيّـون : أبـ ـو يَـحـ ـيـى اللـ ـيـبـيّ ← الحـوادث العِـظامُ لا يَـدعُـهـا العُـقـلاءُ تـمُــرُّ عـلـيـهـمْ مـن غـيْـرِ تـدَبُّـرٍ واعـتِـبـارٍ ، بـل يَـسْـتـخْـلِـصـون عِـبَـرَهـا فـيَـتّـخِـذونـهـا زاداً يَــشــدّون بـه مـن أزْرِهِـــمْ .
إن كــثــرة قــتــلِ الأمَـــراءِ وخِـيـارِ الـعُـلــمــاءِ والـصُّـلـحـاءِ في الـجـهـادِ أمْــرٌ واقِــعٌ فـيــمـا مَـضـى ، ولا يَــدُلّ عـلـى انْـحِــرافِ الـطـريــقِ الـتـي يَـسْـلـكـونـهــا ، وإن كــثــرَة الـقـتْـلِ والـجِـراحِ فـي الـجـهـادِ هــو اخْـتِـبـارٌ يَـبْـتـلـي الـلـه بـهِ عِــبـادهُ الـمُـجـاهــديــن ، وهــذا الـقــتــلُ الـذي يَـلـحَــق بـهِـمْ يُـؤدِّي حَـتْـمـاً إلى نُـقـصانِ عَـدَدِهِــمْ ، وخُـلــوِّ كـثِـيــرٍ مـن ثـغـراتِ الـجـ ـهـادِ مِـمَّـن يَـقــومُ عـلـيْـهــا كـمـا تـسْـتـحِــق ، لأنّ الأولـيـن مِـمَّـن فـرَكـتْــهُــمُ الـمِـحَــنُ وعَــرَكــتْــهُــمُ الأحْــداث وأنـضـجَــتْـهُــمُ الـتـجـاربُ لـيْـســوا كـالآخـرِيــن الـذيــن هــمْ فـي مَـبْــدأ الـطــرِيــقِ ، فـيَـجْــتــمِـعُ عَـلـيْـهــمُ الـفـقــدُ لإخـوانِـهــمْ وثـقــلُ مـا تـحَـمّـلـوهُ مـن أعْـبـاءَ بَـعْـدَهـمْ ، فـيَـحْـصُـلُ بـذلـك ضِـيـق وشِـدَّة مِـمَّـا يَـسْـتـوْجـبُ الـصَّـبْـرَ مِـنْهُـمْ ، فـهُـنا تـظـهَـرُ مَعادنُ الـرِّجالِ .
إن الـمَـصائـبَ مَـهْـما تـعاظـمَـتْ وتـفـا قـمَــتْ وحَـطـتْ بـرِحـالـهـا الـمُـثـقـلـة فـي سُــوحِ الـجـهـادِ ؛ فـلا يَـنـبَـغـي أن تـكـون سَـبـباً في الـتـراخي والـفـتـورِ ، ولا الانـكِـسارِ أمامَ العَـدُوِّ ، فالأمـرُ يَحْـتاجُ إلى تحَـمُّـلٍ وتَـصَـبُّـرٍ تُـطـرَدُ به كـلّ تِـلـك الأدواءِ الـقـاتـلةِ ، وإلى مُـحارَبـةِ داعـي الـنـفـسِ .
فـمِـن الأسْـبـاب التي تُـعِـيـنُ عـلى قـوةِ الـقـلـب وإبْـعـادِ الـوَهَـنِ وعَــدمِ الـخُــضــوعِ للـعَــدُوِّ : دُعـاءُ الـمُـجـاهـديــن رَبَّـهُــمْ بـأن يُـثــبِّــتَـهـمْ . الـثـبـاتُ فـي المَعْـركةِ وعَـدمُ الـفـرارِ ، قال الـنّـبي : (( وأنَّ الـنّـصْـرَ مَـعَ الـصَّـبْـرِ )) . الـتّـأ سِّي بـمَـن سَـبَـق مـن أهـلِ الـعَـزيـمَـةِ والـشـجاعـةِ والـمُـصا بَـرَةِ مِـمَّـن عـا يَـنـوا أنـواع الأهــوالِ ، وخـالـطـوا ألـوان الـمَـصـا ئـب ، وركِـبـوهـا طـبـقـاً عـن طـبَـقٍ ، ومَـعَ ذلـك لـمْ يَـلـيـنـوا ولـمْ يَـضْـعُــفــوا ، ولــمْ يُــورثـهُــمْ كــلّ ذلـك إلّا قُــوَّةً وثـبـا تــاً ؛ فـالـتـأ سِّي بـالـخِـيـارِ يَـبْـعَـث الهِـمَـمَ ، ويُـقـوِّي الـعَـزْمَ ، ويُـخَـفّـفُ الألــمَ ، ولـهــذا يُـخْـبِـرُ الـلهُ عَـزّ وجَـلّ نـبـيَّه بـمـا كـان يُـصِـيـبُ الأنـبـيـاءَ قـبْـلـه مِـن شِـدَّةِ عَـداوةِ أقـوامِهِـمْ ومُـبـالـغـتِـهِـمْ في أذاهـمْ . مُـواساة الـنّـفـسِ بما يُصيبُ الـكـفـارَ مِـن الآلامِ نـظِـيـرَ ما يُـصِـيـبُ أهـلَ الجهادِ والإيـمانِ ﴿ إنْ تـكـونـوا تـألمـونَ فـإنهُـمْ يَـألمُـونَ كـمـا تـألـمُــونَ ﴾ . الـطـمَـعُ فـيـمـا أعَــدّهُ الـلـهُ عَـزّ وَجَــلَّ لِـعِــبـا دهِ الـمُـجـاهـديـن الصّا بـريـن ، والـتّـيَـقّـن بـأن الأجْـرَ عـلى قـدْرِ ما يُـعـا نـونـه مِـن الـشـدّةِ والـبـلاءِ والـضِّـيـقِ . الـحَـذرُ الـشّـديـدُ مِـن مَعْـصِـيَـةِ الـلهِ تـعـالـى ، فـارْتـكـابُ الـمَـعـاصي مِـن أعْـظـمِ أسْـبـاب الـهَـزائـمِ والـخُـذلانِ ، فـإ ن وَقْـعَ الـمَـعـا صي عـلى الـجُـيـوشِ أشـدّ وأنـكى وأفْـتـك مِـمَّا تـفـعَـلهُ الـقـنابـلُ والصَّـواريـخُ .
قـال عُـمَـرُ بـن الخـطاب يُـوصي أمِـيـرَ جُـنْـدهِ سَـعْـدَ بـن أبـي وَقـاص : " وإن تـقــوى الـلـهِ أفـضـلُ العُــدّةِ عـلى الـعَـدُوِّ ، وأقـوى المَـكِـيـدةِ فـي الـحَــرْب ، وآمُـرُك ومَـن مَـعَــك أن تـكـونـوا أشـدَّ احْـتِـراساً مِـن المَـعـاصـي مـن احْـتِـراسِـكــمْ مـن عَـدُوّكــمْ .. وإنـمـا يُـنـصَـرُ الـمُـسْـلِـمـون عـلى عَـدُوّهـمْ بـمَـعْـصِـيـةِ عَـدُوِّهِـمْ لـلـهِ ، ولـوْلا ذاك لـمْ يَـكُـن لـنـا بـهـمْ قـوة ، لأن عَـددنـا لـيْـسَ كـعَـددِهـمْ ، ولا عُـدّتُـنـا كـعُـدّتِـهـمْ ، فـإنِ اسْـتـوَيْـنا فـي الـمَـعْــصـيـةِ كـان لـهُـمُ الـفـضْـلُ عـلـيْـنـا فـي الـقــوى " .
فـاحْــذرِ الـعُـجْــبَ والـغُـرورَ والـتّـكـبّـرَ والـفخْـرَ ، ولـيَـكـن تـفـحّـصُـك لـنـفـسِـك أشـدَّ مِـن تـفـحّـصِك لغـيْـرِك ، ويَـجِـبُ أن تـكـون الـتّـوْبَـة من الـذنـوب مُلاصِـقة لـك في كـل أحايـيـنـك سَـواءٌ قـبْـلَ الـقـتالِ أو أثـناءهُ أو بَعْـدهُ ، وقـدِّمْ توبَـتـك الصّادقة وكـثـرَة اسْـتِغْـفارك عـلـى طـلـبِـك نُـصْــرَة رَبِّــك .
ومـن أسْـبـاب اجْـتِـمـاعِ كـلِـمـةِ الأمّـةِ اشـتِـغـا لـهـا بالجِـها دِ حَـقِـيـقـة ، كـما أن مِـن دواعـي تـفـرّقـها تـرْكُـها لـه . ومَـن سَـلـك سَـبـيـلَ الجـهـادِ فـتِـحَـتْ له أبـوابُ الـخَـيْـرِ في الـدّنـيـا والآخِـرَةِ ، عَـكْـسَ ما يَـظـن كـثِـيـرٌ مِـن الـنـا سِ مِـن أن الـجـهـا دَ سَـبـبٌ فـي الـحِـرْمـانِ مـن الـدّنـيـا ومَـسْـلـك مُـهْـلِــك فـمَـن جاهـدَ غـيْـرَ مُـلـتـفِـتٍ إلى دُنـيا ، جاءتْه راغِـمَـة .
( الكتاب من 33 صفحة )
خلاصة كتاب : " الربيون .. " / تأليف : حسن قائد (تحميل) |
اكتب تعليقك هنا