الشيخ أبو عمـ ـر الكنعـ ـا ني
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، «قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسـ وله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه». رواه البخاري ومسـ لم.
هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها. فروي عن الشافعي أنه قال: هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين بابا من الفقه.
قال أحمد: أحب لكل من عمل عملا من صلاة، أو صيام، أو صدقة، أو نوع من أنواع البر أن تكون النية متقدمة في ذلك قبل الفعل، قال النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات، فهذا يأتي على كل أمر من الأمور.
وقوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى» إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به، فإن نوى خيرا حصل له خير، وإن نوى به شرا حصل له شر.
والنية في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة إنما يراد بها معنى الإرادة، ولذلك يعبر عنها بلفظ الإرادة في القـ رآن، كما في قوله تعالى: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخـ رة}.
وقد يعبر عنها في القــ رآن بلفظ " الابتغاء " كما في قوله تعالى: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتـ ـغاء مرضاة الله}.
وعن مطرف بن عبد الله قال: صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية.
وعن ابن المبارك، قال: رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية.
وأصل الهجرة: هجران بلد الشرك، والانتقال منه إلى دار الإسـ ـلام، فمن هاجر إلى دار الإسـ ـلام حبا لله ورسـ ـوله، ورغبة في إظهار دينه فهذا هو المهـ ـاجر إلى الله ورسـ ـوله، ومن كانت هجرته لطلب دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها في دار الإسـ ـلام، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
وقوله: «إلى ما ها جر إليه» تحقير لما طلبه من أمر الدنيا، واستهانة به، حيث لم يذكر بلفظه.
وسائر الأعمال كالهجرة في هذا المعنى، فصلاحها وفسادها بحسب النية الباعثة عليها، كالجـ ـهـ اد والحج وغيرهما، ففي " الصحيحين " «أن أعرابيا قال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قا تل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبـ ـيل الله».
يقول ابن رجب: واعلم أن العمل لغير الله أقسام:
فتارة يكون رياء محضا، لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج، وهذا العمل لا يشك مسـ لم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقو بة.
وتارة يكون العمل لله، ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضا. وفي " صحيح مسـ لم " عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشـ رك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشريكه».
فإن خالط نية الجـ هــ اد مثلا نية غير الرياء، مثل أخذه أجرة للخدمة، أو أخذ شيء من الغنيمة، أو التجارة، نقص بذلك أجر جها دهم، ولم يبطل بالكلية.
فأما إذا عمل العمل لله خالصا، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤ منين بذلك، ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك، لم يضره ذلك.
وفي هذا المعنى روى مسـ ـلم من حديث أبي ذر مرفوعا: "تلك عاجل بشرى المـ ـؤمن».
وبالجملة، فما أحسن قول سهل بن عبد الله التستري: ليس على النفس شيء أشق من الإخـ ـلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب.
الشيخ أبو عمـ ـر الكنعـ ـا ني.
اقرأ للشيخ أيضا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صورة: 58 ك.ب
اكتب تعليقك هنا