تحريرُ الأسـ ـرى بأيّةِ وسيلةٍ واجبٌ عل الأمة جمعاء .. فقد بيّن رسـ ـول الله صلى الـ ـله عليه وسلّم ذلك الواجب في أمر صريحٍ ، والأمر كما تعلمون للوجوب ، وذلك في قوله كما في صحيح البخاري: " فكّوا العا ني " ، والعا ني هو الأسير .
وقد علم المسـ ـلمـ ـون قيمة استنقاذ الأسرى من أيدي أعدائهم فجعلوه على رأس أولوياتهم واهتماماتهم ؛ فها هو الفا روق عـ ـمر رضي الـ ـله عنه يقول: " لأن أستنقذَ رجلا من المـ ـسلمـ ـين من أيدي المشـ ـر كين أحبُّ إليّ من جزيرة العر ب ".
وقد تضافرت أقوال علماء المـ ـسـ ـلمين وأئمتهم في الدّلالة على أهميّة تحرير الأسرى وبشاعة خذلانهم. يقول شيخ الإسـ ـلام ابن تيمـ ـية رحمه الله : " إذا سُبـ ـيتْ امرأةٌ في المشـ ـرق وجبَ على أهل المغرب فكُّ أسرها " ؛ أي إنّ على الأمـ ـة كلّها مشرقها ومغربها التحرُّك لتحرير أسيرة وقعت بين أيدي أعـ ـداء الأمّة ، فما بالنا بعشرات الأسيـ ـرات وآلاف الأسرى في سجـ ـون ملل الكـ ـفـ ـر والطو اغيـ ـت ؟! بل إنَّ الإمام النووي عدّ وقوعَ مسـ ـلمٍ ومُسلمَـ ـين في الأسر في حكم العـ ـدوان العسكري على بلاد المسـ ـلمين، ممّا يوجبُ النّفـ ـيرَ لردّ العدوان وفكاك الأسرى، يقول رحمه الـ ـله تعالى: "ولو أسروا مسـ ـلما أو مسلمَين فهل هو كدخول دار الإسـ ـلام ؟ وجهانِ أصحّهما نعم ، لأنّ حرمته أعظم من حرمة الـ ـدّار ". وعلّق الإمام القـ ـرطبيّ على الآية الخامسة والسبعين من سورة النـ ـساء وهي قوله تعالى: "وَمَا لَكُمْ لا تُقَا تِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَـ ـضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُـ ـولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرا ". يقول: " وتخليصُ الأسـ ـارى واجبٌ على جميع المـ ـسلـ ـمين إمَّا بالقـ ـتال وإمَّا بالأموال ؛ وذلك أوجبُ لكونِها دونَ النّفوس إذ هي أهون منها.
ويجب علينا تفعيلُ قضية الأسـ ـرى وتذكير الأمة بها على الدّوام ، ويكون ذلك بالسـ ـنان والبنان، والبنان هنا لا أقصد على مواقع التواصل إنما في سهام الليل والنهار في كل صلاة، فقد ثبت في صحيـ ـح البـ ـخاري من حديث أبي هريرة رضي الـ ـله عنه: " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الرّكعة الآخرة يقول : اللّـ ـهم أنجِ عياش بن أبي ربيعة، الـ ـله أنجِ سلمة بن هشام، اللّهم أنجِ الوليد بن الوليد، اللّهم أنجِ المستضـ ـعفين من المؤ مـ ـنين". فالنـ ـبيّ صلّى الـ ـله عليه وسلّم كان يذكر أسماء الأسـ ـرى في دعائه وقنوته، ويعدّدهم بأسمـ ـائهم على مسامع المصـ ـلّين في الصّلوات التي هي أعظم موقف للمـ ـسلم بين يدي الـ ـله تعالى.
وأخيراً ، أسأل الـ ـله العظـ ـيم أن يجعلنا وإياكم من أسباب فكاك أسـ ـرى المسـ ـلـ ـمين وأن يهيئ الأسباب لعباده الصالـ ـحين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اكتب تعليقك هنا